الصحة النفسيةالقلق والاكتئاب

الاكتئاب مرض العصر

الاكتئاب مرض العصر:

ما هو الاكتئاب؟

حالة مرضية شائعة تتسبب في تغيرات سلبية شديدة في المزاج العام ونمط التفكير، ويسبب شعورًا متواصلًا بالحزن، وفقدان المتعة ونقص التركيز، وقد يكون مصحوبًا بالشعور بالذنب، ونقص تقدير الذات، كما أنه يسبب العديد من الأعراض الجسدية المحسوسة مثل: التغير في الشهية وغيرها. عادة ما تشكل أعراض الاكتئاب عائقا كبيرا للشخص أن يمارس حياته العادية وواجباته تجاه نفسه والآخرين. وقد يحدث لبس عند الكثير في التفرقة بين مشاعر حزن طبيعية وأعراض الاكتئاب، ولكن توجد معايير تأخذ بالاعتبار عدد الاعراض وشدتها والفترة الزمنية.

الفرق بين الحزن والاكتئاب:

الحزن طبيعة بشرية ومن الطبيعي أن يصاب الانسان بالحزن عند حدوث خسائر في الحياة قد يصعب عليه تحملها، من مثل: وفاة شخص عزيز، أو خسارة الوظيفة، وغيرها من الامور، نتعرض له جميعاً على درجات متفاوتة ونخرج منه ونكمل الحياة، أما الاكتئاب فهو أمر أخر ضار جداً، فليس هناك مانع أن يحزن الانسان لكن عليه ألا يخرج من الحزن إلى الاكتئاب. وفي الواقع فأن الشعور بالحزن ليس كالاكتئاب. فالحزن أمر طبيعي، ويختلف من شخص لآخر، ولكنه يشبه الاكتئاب في بعض خصائصه، مثل: العبوس، والعزلة، وغير ذلك، ويختلفان في أمور أخرى كما يلي:

​​                 الحزن                           الاكتئاب
​ الشعور بالحزن قد يكون مؤقتًا، ولا يزال الشخص قادرًا على الاستمتاع بالأمور الأخرى، والتطلع للمستقبل.​طول مدة الحزن عن الزمن التقليدي المتعارف عليه في بيئة الانسان.
​يعود الانسان لمزاولة عملة بعد فترة، رغم أثار الحزن، كما أنه ما زال يفكر في المستقبل بإيجابية.​العزوف والانقطاع عن العمل، ولا يستطيع الشخص الاستمتاع، ولا التفكير في المستقبل بإيجابية.
​القدرة على مخالطة الناس بعد فترة الحزن وممارسة حياتة بصورة طبيعية.​الانعزال وعدم الاهتمام بالعلاقات مع الاخرين، والاحساس بالخمول وعدم النشاط، والشعور بالارق، ينام فترات طويلة أو لا يستطيع النوم مطلقاً.
لا يزال الشخص محتفظًا بثقته بنفسه.ضعف الثقة بالنفس والشعور بانة لا يستطيع القيام بأعمال ذات قيمة.
مقارنة بين الحزن والاكتئاب

أنواع الاكتئاب: يصنف الاكتئاب في المراجع الطبية للأمراض النفسية، تحت العديد من المتلازمات النفسية في مجموعة من متلازمات اضطراب المزاج وتظهر بعض أنواع الاكتئاب في ظروف خاصة مثل:

  • اضطراب الاكتئاب جزئي: (Dysthymia / Persistent depressive disorder):

هو حالة من سوء المزاج تستمر لفترات طويلة قد تصل لعامين، ولا تؤثر بشكل ملحوظ في أداء الشخص، وقد يمر المصاب بنوبات من الاكتئاب الشديد، والاكتئاب الخفيف خلال تلك الفترة، وأعراض الاكتئاب الجزئي أقل حدة من الاكتئاب الشديد.

  • اضطراب الاكتئاب الشديد: (Major depressive disorder):

وفيه يصاب الشخص باكتئاب شديد، غالبًا ما يكون مصحوبًا بتدني تقدير الذات، وفقدان الاهتمام بنشاطات الحياة، وانخفاض الطاقة، والمشاكل الجسدية بدون سبب واضح، وقد يعاني الاشخاص المصابون بنوع آخر من الاضطرابات العقلية، مثل: الهلوسات، والأوهام، وغيرهما حيث يرون أو يسمعون أشياء لا يستطيع رؤيتها أو سماعها الآخرون.

  • اكتئاب ما بعد الولادة:

يصيب بعض النساء في غضون الأسابيع الستة الأولى من الولادة، ومن أعراضه: الحزن الشديد، والقلق، والإجهاد، مما يؤثر في أنشطتها اليومية، وعنايتها بنفسها وطفلها. وغالباً ما تعرف هذه الأعراض باسم «كآبة الطفل» وبعض الأمهات لا يعترفن بأن لديهن المرض، فيتجاهلن الأعراض لأنهن يخشين من أن ينظر إليهن على أنهن أمهات سيئات، على الرغم من أنهن في حاجة إلى الدعم والتشجيع.

  • الاكتئاب ثنائي القطب: يختلف اضطراب ثنائي القطب عن الاكتئاب، ولكن يتم ذكره ضمن أنواع الاكتئاب؛ لأن المصاب بثنائي القطب يواجه نوبات من الاكتئاب الشديد وفترات أخرى منفصلة يحدث فيها تغيرات في المزاج مع نوبات ابتهاج عالية.

ما هي أعراض الاكتئاب؟

أعراض الاكتئاب تظهر بصور مختلفة ومتنوعة وتتراوح في شدتها من شخص لأخر فمثلًا: قد تظهر أعراض الاكتئاب لدى شخص عمره 30 سنة بشكل مختلف عن تلك التي تظهر عند شخص عمره 65 سنة، وتشمل الاعراض ما يلي:

  • الشعور بالحزن واليأس
  • فقدان الشغف بالأنشطة التي كان يتمتع بها من قبل.
  • حساسية مفرطة.
  • عصبية، قلق وضجر.
  • تغيرات في الشهية؛ فقدان الوزن أو اكتسابه لا علاقة له باتباع نظام غذائي مقصود.
  • اضطرابات في النوم مثل: صعوبة النوم أو النوم لفترات طويلة.
  • فقدان الطاقة أو زيادة التعب والشعور بالإرهاق
  • زيادة في النشاط البدني غير المقصود مثال: عدم القدرة على الجلوس بلا حراك، أو السرعة، أو شد اليد أو تباطؤ الحركات أو الكلام (يجب أن تكون هذه الأفعال شديدة بما يكفي بحيث يمكن ملاحظتها من قبل الآخرين)
  • الشعور بعدم القيمة أو بالذنب
  • نوبات من البكاء بدون أي سبب ظاهر.
  • صعوبة في التفكير أو التركيز أو اتخاذ القرارات
  • التفكير في الموت أو الانتحار

ويشترط وجود هذه الأعراض يوميا او معظم الأيام خلال فترة زمنية لا تقل عن أسبوعين للتشخيص.

أسباب وعوامل خطر مرض الاكتئاب:

العامل الوراثي:

مثل امراض اخرى كثيرة، تندرج أسباب الاكتئاب إلى عوامل وراثية وعوامل بيئية. عادة ما تكون الأمراض الوراثية مصحوبة بجينات محددة يمكن الكشف عنها لإثبات المرض، الا انه لا يوجد جينات معينة مرتبطة بمرض الاكتئاب، ولكن العامل الوراثي تم إثباته من حيث إنه إذا كان أحد الأبوين يعاني من الاكتئاب فإنه يزيد توقع اصابة الشخص بمرتين او ثلاث من الشخص العادي. وقد يكون عامل الوراثة متعلقا بتوارث أنماط للشخصية مثل القابلية الزائدة للتعرض لمشاعر سلبية (neuroticism).

ظروف وأحداث الحياة:

وعلى صعيد آخر تتعدد عوامل الخطر التي قد يواجهها الشخص أثناء حياته تسبب له الاكتئاب، أو قد تزيد من فرصة وقوع المرض. من أهم هذه العوامل: بيئة الشخص في المراحل الأولى في الحياة، حيث ان الطفل يكون في وضع حساس وضعيف على الصعيد الجسدي والنفسي. يتطلب الطفل اهتمام مادي وعاطفي بصورة تواجد مستمر من الوالدين وكذلك من الأهمية أن يتحلى المربي بنضوج عاطفي وقابلية على احتواء مشاعر الطفل وخلق مساحة آمنة تسمح بتطور الجانب العاطفي بطريقة صحية تمنح الشخص المهارات اللازمة لتنظيم العواطف بطريقة سليمة مما يمنح الشخص القدرة على خلق علاقات صحية ومنح درجة من المناعة النفسية للتصدي للظروف الشاقة في الحياة والمشاعر السلبية.

في المقابل فإن عدم توفر هذه البيئة الآمنة في مرحلة الطفولة، والتعرض للضغوطات أو الاحداث الصادمة مثل الاعتداءات الشفوية أو الجسدية أو الجنسية بالأخص خلال هذه المرحلة الحساسة هو سبب مهم يؤدي إلى اضطرابات وصعوبة في تنظيم المشاعر ويجعل الشخص أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب ومتلازمات نفسية أخرى.

هذا بالإضافة إلى التغيرات والأحداث الصعبة التي قد يمر بها الشخص مثل وفاة احد الاقارب او الاصدقاء، الحمل والولادة، صعوبات مادية، التعرض للتنمر، الانفصال، العزلة الاجتماعية جميعها عوامل متعلقة بالاكتئاب.

عوامل اخرى:

  • أمراض عضوية بالأخص الامراض التي تسبب خلل في هرمونات الجسم، مثل قصور الغدة الدرقية.
  • الإصابة بأمراض مزمنة خطيرة مثل السرطان وأمراض القلب والزهايمر.
  • استخدام مفرط للكحول والمخدرات الأخرى.
  • بعض الأدوية المعالجة مثل بعض ادوية ضغط الدم التي قد تسبب اضطرابات في المزاج العام والاكتئاب.

المضاعفات:

قد ينتج عن الاكتئاب مضاعفات يمكن أن تكون وخيمة الأثر على الشخص وعائلته، غالبا في حالة إهمال علاجها، مما قد يؤدي إلى مشاكل انفعالية وسلوكية وصحية لها تأثير على كل مجالات الحياة، وتتضمن المضاعفات التابعة للاكتئاب ما يلي:

  • زيادة الوزن أو السمنة بسبب تدهور العادات الغذائية مما يسبب زيادة العرضة إلى أمراض القلب أو السكري.
  • الشعور بآلام يصعب تحديد سببها بالفحوصات.
  • إدمان المواد الكحولية أو المخدرات.
  • القلق واضطراب الهلع
  • رهاب العلاقات الاجتماعية
  • صعوبة العلاقات والمشكلات في العمل أو المدرسة والصراعات الأسرية
  • العزلة الاجتماعية
  • الرغبة في الانتحار أو محاولات اقترافه
  • تشويه الذات مثل جرح النفس
  • الوفاة المبكرة نتيجة الحالات الطبية

التشخيص والعلاج:

تتمثل الخطوة الأولى لتشخيص حالة الاكتئاب والتعرف على علامات وأعراض المرض إجراء تحقيق نفسي مفصل، حيث يطرح الطبيب النفسي المعالِج أسئلة للمريض حول المزاج والأفكار خلال اللقاءات العلاجية الاعتيادية، تساعده في الكشف عن أعراض الاكتئاب. ويكون هدف الطبيب في التشخيص تحديد ما يلي:

  • أولا: تحديد ما إذا كانت الأعراض المحسوسة متماشية مع أحد مستلزمات الاكتئاب من حيث وجود أعراض معينة.
  • الأخذ بالاعتبار للفترة الزمنية ووقوع أحداث معينة قبل بدء الأعراض.
  • من المهم أيضا في مرحلة التشخيص، أن يجري الطبيب فحوصات معملية معينة مثل: وظائف الغدة الدرقية معدلات فيتامين د لاستبعاد أسباب عضوية للاكتئاب.
  • وقد يتطلب الامر في الحالات الأكثر شدة، إجراء تخطيط كهربية الدماغ والتصوير بالرنين المغناطيسي لاستبعاد الاضطرابات الجسدية الكامنة.

ولحسن الحظ فإن مرض الاكتئاب يمكن علاجه، وفي كثير من الحالات يستطيع الشخص الرجوع لممارسة حياة طبيعية، ولكن لتحقيق هذه النتيجة يتطلب إدراك وتفهم من الطبيب المعالج من أجل الوصول لخطة علاجية تتضمن استخدام واحد أو أكثر من الطرق العلاجية المختلفة حسب تفاصيل معينة لكل حالة على حدى، ويتكون العلاج من عنصرين أساسيين هما:

  1. العلاج نفسي: وبالتحديد علاج معرفي سلوكي (Cognitive behavioral therapy):

وهو تدخل نفسي اجتماعي يستخدم استراتيجيات وتقنيات معرفية أو سلوكية مبنية على أدلة وبحوث. ويهدف العلاج المعرفي السلوكي أن يحسن الحالة النفسية من خلال تحدي المفاهيم المعرفية والسلوكيات المشوهة واستبدالها بمفاهيم أقرب للواقع، وتثبيت طرق صحية لتنظيم عاطفي سليم، وتعلم مهارات المواجهة الشخصية للتعامل مع المواقف والمشاعر التي قد تؤدي لنوبة اكتئاب.

  • العلاج الدوائي: يوجد العديد من الأدوية المختلفة فعالة لعلاج الاكتئاب، وتعمل أدوية الاكتئاب عن طريق تصحيح أو تعديل الخلل في المواد الناقلة العصبية في المخ، وتختلف الأدوية وكذلك ومفعولها وأعراضها السلبية على حسب المواد المستهدفة لكل دواء، وأفضل دواء هو الدواء الذي يخفف الأعراض وليس له آثار جانبية. الهدف من العلاج النفسي للاكتئاب هو تحقيق الشفاء التام مما يعني الشفاء من الاكتئاب ومنع الانتكاس، ومن أبرز هذه الأدوية والأكثر استعمالا هي:
  • مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، وتعتبر هذه المجموعة الأحدث وهي ذات أعراض جانبية أقل، وتستخدم كذلك لعلاج متلازمات أخرى مثل القلق والوسواس القهري.
  • وهناك أيضاً أدوية مثل مثبطات السيروتونين والنورادرينالين (SNRIs).
  • وكذلك مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات (TCA) وكما يوضح الاسم هذه المجموعات تعمل على أكثر من مادة مما قد يزيد من مفعولها، ولكن الاستخدام والجرعات تكون على حسب تقييم الطبيب للحالة طبقاً للأعراض الجانبية.
  • وأخيراً الاكتئاب مرض يحتاج لخبرة الطبيب المعالج لاختيار أنسب خطة علاجية تتماشى مع احتياجات كل حالة على حدى.

الوقاية الأولية:

نظراً لكثرة حالات الاكتئاب وأثرها السلبي الشديد على الفرد والمجتمع، فإن ذلك يدعو إلى اتخاذ خطوات جادة على المستوى الفردي والجماعي لردع هذا المرض.

ونظرا لتعدد اسباب الاكتئاب وتعقيدها، فالوقاية تتطلب تدخلات وتغيرات على كافة الأصعدة، من مثل:

دور الاسرة: على الوالدين إدراك مدى أهمية خلق بيئة آمنة لأطفالهم وزرع فيهم القيم الجميلة للأسرة المتماسكة والمترابطة وقيم الإدراك والفهم العاطفي.

على صعيد الفرد: تكون الوقاية عن طريق تنمية عادات صحية في الحياة اليومية؛ عادات الأكل الصحية وممارسة الرياضة من أهم الوسائل لخلق جسم وعقل مرن قادر على تحمل ضغوطات الحياة.

دور المؤسسات الحكومية: وهو دور في غاية الأهمية عن طريق نشر الوعي الصحي لمرض الاكتئاب خصوصا أنه قد يكون موضوعا حساسا للكثير مما يخلق عوائق رهيبة في طلب المساعدة وتلقي العلاج خوفاً من نظرة شائعة للاكتئاب بأنه ضعف في الشخص أو ضعف في إيمانه. إدراك خطورة الموقف ومدى تأثيره على المجتمع أمر في غاية الأهمية ويستدعي تصحيح لمفاهيم واعتقادات هدامة لا أساس لها من الصحة، فلذلك هذا يستدعي تقديم وتوفر دعم طبي وإتاحته لكافة فئات المجتمع.

د. عمر أشرف رشاد.

طبيب إمتياز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى